المعنى في البقاء





إنك يا صديقي دائم كدوام أوراق الشجر في الربيع المُزهر، فاني فنائها حين تحل رياح الخريف المؤلمة. ستبحث دومًا عن المعنى في البقاء في تلك الصورة المرسومة لك دون جدوى. ستحارب مع الباسلين و تجلس مع المنتظرين. ستتفكر في الكون حولك لتحاول فك شيفرة الطبيعة و لكن... دون جدوى.

لقد أصبحت تنتظر الظلام الحالك بشوق أشبه بشوق العاشقين ليخفي ما يحمله داخلك، و تمقت نور الصباح لأنه يكشف ما يخفيه عدوه. أصبح داخلك يميل إلى الوحدة، و يهرب دائمًا من التجمعات البشرية. لقد أصبحت يا صديقي تشبه القوقعة الخالية من الحياة. إنك حاضر و لكن غيابك يسود، تتكلم ولكن كلماتك لا تملأ الفضاء، ترى و لكنك غير مرئي، تستمع و لا تجد مُستمع، تُحب و ينكسر قلبك، تبكي و لا أحد يسمع نحيبك. هكذا أصبحت الحياة، و لكنك ما زلت هنا. تحاول أن تُصبح مرئيًا، أن تُسمع، أن تَأمل، و أن تجمع قطرات الأسى التي ما زالت تنهمر لبناء ما يمكن أن تتطلع إليه للغد و لكن.... دون جدوى.

كانت بداخلك الحياة تُزرع لتفيض على من حولك بل كنت من أعطى لكلمة الحياة معنى. كانت عيناك تسحب الناظرين إليها كأنه سحر غير مشؤومٍ. كنت يا صديقي من ينظر إليه الظلام بغبطة، و من تنظر إليه الألوان بشئ من الحقد. لقد كنت ما تتمنى النفس من سلامٍ، و ما يُريد الجسد من راحة. كنت المأوى والمسكن لكل يائس يبحث في ظلمات الليل عن الظل، وكنت من يتطلع إليه الحالم و العاشق في نور الشمس الباهت قليلاً. لقد كُنت موجودًا و ليس بالمعنى المجازي. كنت موجودًا بجسدك، بروحك، بعقلك، و بقلبك. لم تكن على متن تلك الرحلة التي تبحث عن الحياة دون جدوى، فلقد كُنت أنت الحياة. 

يا صديقي، لقد انفصلت عن الحياة و تركتني وحيدًا أبحث عن المعنى في البقاء. لقد تركت الحياة و لكن بالمعنى المجازي هذه المرة. تركت الحياة لأنك لم تجد المعنى في البقاء، و في تركك لها، فقدت هي كل ما تحمله من معنى.

Popular posts from this blog

The Holocaust Resurrection

Mea sola vetus amicus

What if?